أزمة الغذاء ترسم خريطة القرن الـ٢١.. والتحدي المقبل في إطعام ملايين الأفواه الجائعة
بات الركود الغذائي يخيم علي شتي أنحاء العالم، وإنتاج الوقود الحيوي جريمة ضد الإنسانية، إلا ان إنتاج اللحوم التي تتغذي علي الحبوب هو الأمر الأسوأ، حيث تسهم كل تلك القضايا في تفاقم أزمة الغذاء، التي أدت إلي محاولة حشود غفيرة اقتحام قصر الرئاسة في هاييتي مؤخرا، بينما أقام متظاهرون الحواجز في شوارع أبيدجان، واندلعت اضطرابات عنيفة في الكاميرون وبوليفيا والسنغال وأوزبكستان وإندونيسيا.
والمؤكد أن هناك عاملا مشتركا يقف وراء نشوب جميع هذه الاضطرابات، إنه الغذاء،الذي يرسم خريطة القرن الحالي ويتطلب حلولا فعالة تتمثل في تقليل استهلاك اللحوم، وتناول الدجاج والأسماك وزيادة الدعم المقدم للدول الفقيرة ورفع الحواجز الجمركية علي التجارة وتحسين إنتاجية الأراضي الزراعية.
ويجب التركيز علي أزمة الغذاء كتهديد ملح للأمن العالمي الذي قد يضر بالأمن الدولي وبمعدلات النمو إن لم يتم التعامل معه بشكل سليم، بحسب ما أكد الامين العام للأمم المتحدة، بان كي مون.
وتثمثل الأزمة في الركود الغذائي الكبير الذي بات يكتسح العالم بشكل أسرع، حيث ارتفعت أسعار الأرز بنسبة ٧٥% العام الماضي، كما زادت أسعار القمح بنسبة ١٣٠%،
وهناك أزمة غذاء في ٣٧ دولة، وتراجعت كميات المخزون العالمي من الغلال إلي مستويات مروعة والأزمة تبدو أكثر وضوحا في دول العالم النامي، التي تنفق جزءا كبيرا من دخلها القومي علي شراء الغذاء.
ويقول الكاتب البريطاني جيورج منبيوت في صحيفة «الجارديان» إن إنتاج العالم من القمح العام الماضي بلغ ٢,٢مليار طن متخطيا كل الأرقام القياسية بزيادة قدرها ٥%عن إنتاج ٢٠٠٦ إلا أن الأزمة بدأت قبل أن يضرب التغير المناخي إمدادات الغذاء العالمية، وإن انتشر الجوع حاليا فلن يكون بسبب نقص الإنتاج، فهناك المزيد من الطعام، إلا أنه لا يصل إلي بطون البشر،
فمن بين ٢,١٣مليار طن ستستهلك هذا العام، سيذهب منها فقط ١,٠١مليار طن لإطعام البش، بحسب منظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية.إلا أن المحللين يتوقعون هدوء الطلب علي الغلال علي المدي الطويل.
ورغم أن البعض يشير إلي أن المزارعين في الدول النامية هم من سيستفيدون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلا أن الغالبية العظمي من الدول لحق بها الضرر، حيث يمكن أن تؤدي أزمة ارتفاع أسعار الغذاء إلي معاناة ١٠٠ مليون شخص من الفقر المدقع بحسب البنك الدولي.
وإنتاج الوقود الحيوي يعتبر جريمة في حق الإنسانية، حتي إن بريطانيا ألزمت بائعي وقود السيارت بخلطه بالإيثانول المنتج من الحبوب بينما تدافع واشنطن عن إنتاج الوقود الحيوي مؤكدة أن الأهم هو ارتفاع أسعار الطاقة بغض النظر عن الجوع، ويقول البنك الدولي إن الحبوب المطلوبة لإنتاج إيثانول يملأ تنك سيارة يمكن أن يطعم شخصا لمدة عام،
ومن المتوقع أن ينخفض مخزون الحبوب العالمي بحوالي ٥٣مليون طن هذا العام وهو ما يوضح لنا حجم فجوة الجوع، فإنتاج الوقود الحيوي سيستهلك نحو ١٠٠مليون طن من الحبوب ويعتقد البعض أنه المسئول الرئيسي عن أزمة الغذاء الحالية.
وأحد أسباب الأزمة هو نقص المعروض الغذائي فالفيضانات التي اجتاحت إندونيسيا وبنجلاديش في العام الماضي، والجفاف الذي أصاب استراليا والطقس شديد البرودة الذي شهدته الصين وفيتنام،
أدي إلي هلاك المحاصيل الزراعية. كما أن الأسعار المرتفعة الي حد السماء في قطاعات الديزل وصناعة السماد القائمة علي البترول أدي أيضا إلي تحجيم الانتاج.
ومع ذلك، هناك عامل آخر يتمثل في تزايد استهلاك اللحوم والألبان في دول كثافتها السكانية عالية جدا مثل الصين والهند. فمع تخصيص ١٠٠ مليون طن من الحبوب «لإطعام السيارات» هذا العام، ستلتهم الحيوانات ٧٦٠ مليون طن أخري من أفواه البشر والتي يمكن أن تغطي عجز الغذاء العالمي الأمر الذي يعتبر سببا رئيسيا لأزمة الجوع العالمي فإن كنا نهتم بتلك الأزمة،
علينا تناول لحوما أقل. وتظهر الأزمة في أن أبقار اللحوم تلتهم ٨ كيلو جرامات من الحبوب لإنتاج كيلو جرام لحما،في حين أن إنتاج كيلو جرام من لحوم الدجاج يحتاج إلي ٢ كيلو من الحبوب.
وتتوقع الأمم المتحدة زيادة عدد سكان العالم إلي ٩ مليارات في ٢٠٥٠، وهذا العدد سيتطلب ٣٢٥مليون طن من الحبوب، وإن تمكنا من وقف تحويل الحبوب في إنتاج الوقود الحيوي،
وإن تحسن إنتاج الحبوب من خلال ابتكار سلالات أكثر إنتاجا قد نتمكن من تعويض العجز الناتج عن التغير المناخي، لكننا مازلنا بحاجة إلي ٢٢٥مليون طن أخري من الحبوب، إضافة إلي تخصيص ٥٣١مليون طن من الحبوب للحيوانات.
لكن هذه الحلول صعبة جدا، فإن تناولنا لحوما أقل سنأكل المزيد من البروتين النباتي، الذي سيعني تخصيص المزيد من الأرض من حصة الحيوانات، كما زادت بعض مزارع الحيوانات من الأراضي المخصصة لإطعامها من العشب، لذلك لا تساهم في زيادة عجز مخزون الحبوب.
والسؤال الذي يفرض نفسه الأن هو: كيف نعزز المعروض في الأسواق في مثل هذه الظروف؟. فالحماية وحظر التصدير ليست هي الحل، بخاصة في ظل اقتصاد عالمي اندماجي.
وتشير صحيفة الإندبندنت البريطانية إلي إن أفضل طريقة لتشجيع الإنتاج الزراعي في افريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وهي المناطق الأكثر تأثرا بأزمة ارتفاع أسعار الغذاء، هو إلغاء الإعانات المالية المحلية للمزارعين في أوروبا وأمريكا،
وإتمام الصيغة النهائية لاتفاقية التجارة العالمية، وتحجيم اندفاع الدول المتقدمة نحو إنتاج الوقود الحيوي، وان يعمل البنك وصندوق النقد الدوليين والأمم المتحدة معا علي تخفيف وطأة التأثيرات الاجتماعية التي أشعلتها نار أسعار الغداء، بالإضافة لدعم الدول المستوردة للغذاء وزيادة المساعدات الإنسانية.
والأهم من ذلك، يجب التشديد علي أن ما يحدث ليس مشكلة عابرة، فالجميع يبدو أنه يتجه إلي العيش في عالم جائع، وأصبح التحدي الأكبر لقادتنا السياسيين علي مدي القرن الجاري هو إطعام كل هذه الأفواه الجائعة.
الرئيسية 
البوابة 
أحدث الصور 
التسجيل 
دخول 
الثلاثاء 22 أبريل 2008, 9:32 am